كان يوهان فرانس إنكه (1791-1865) عالم فلك ألماني ترك بصمة لا تمحى في هذا المجال، ليس فقط من خلال ملاحظاته الدقيقة وحساباته، بل أيضًا من خلال مساهماته المهمة في تطوير أدوات الفلك وفهمه.
ولد إنكه في هامبورغ، ودفعه شغفه بالنجوم لدراسة الرياضيات وعلم الفلك في جامعة غوتينغن. بدأ حياته المهنية كمساعد في مرصد سيبرغ، حيث اكتسب خبرة قيّمة في علم الفلك العملي. في عام 1825، عُين مديرًا لمرصد برلين، وهو منصب شغله لما يقرب من أربعة عقود.
مذنب إنكه: انتصار للحساب
واحدة من أهم إنجازات إنكه كانت حساب وتنبؤ دقيقين لمدار مذنب خافت اكتُشف في عام 1818. أصبح هذا المذنب، الذي سُمي لاحقًا باسمه، معروفًا باسم مذنب إنكه.
درس إنكه حركة المذنب بدقة، محسّبًا مداره بدقة وتوقع عودته. مثل هذا الحدث نقطة تحول في علم فلك المذنبات لأنه كان أول مرة يتم فيها التنبؤ بنجاح بعودة مذنب. يمتلك مذنب إنكه تمييزًا بوجود أقصر فترة مدارية بين جميع المذنبات المعروفة، حيث يكمل دورة حول الشمس كل 3.3 سنوات.
رسم خرائط النجوم: إرث إنكه في خرائط النجوم
بخلاف المذنبات، كان إنكه مراقبًا مخلصًا للسماء الليلية. لعب دورًا حاسمًا في تجميع خرائط النجوم التي ستُرشد علماء الفلك لاحقًا إلى اكتشاف نبتون.
كانت هذه الخرائط، التي تتميز بتفاصيل ودقة هائلتين، حاسمة بالنسبة لـ أوربان لوفيرييه و جون كوش آدمز، اللذين تنبّأ كل منهما بشكل مستقل بوجود الكوكب الثامن. أدت حساباتهما، التي بنيت على خرائط إنكه، إلى قيام يوهان غوتفريد جالي و هاينريش لويس داريست باكتشاف نبتون في عام 1846.
سيد الدقة والابتكار
لم تقتصر مساهمات إنكه في علم الفلك على ملاحظاته وحساباته الرائدة. كان معروفًا بدقته الشديدة، والتي مكنته من إجراء قياسات دقيقة وتحسين التقنيات الفلكية. كما طور طريقة لحساب الشلل الشمسي - وهي قياس أساسي يساعد على تحديد المسافة من الأرض إلى الشمس - ظلت قيد الاستخدام لسنوات عديدة.
يُلهم إرث إنكه علماء الفلك اليوم. فقد شكّلت إخلاصه للملاحظة الدقيقة، وحساباته الرائدة، ومساهماته في الأدوات الفلكية، جميعها فهمنا للكون. وسيبقى اسمه مرتبطًا بالمذنب الذي تعقّبه وخرائط النجوم التي مهدت الطريق لاكتشاف نبتون، ما ساعده على تثبيت مكانته كعملاق في تاريخ علم الفلك.
Comments